نبيل نايلي (( باحث بالفكر الاستراتيجي جامعة السوربون لدراسات الجيوبوليتيك، باريس))
«عمليات مكافحة التمرّد هي حرب تُخاض على مستوى جامعي. إنها حرب رجل يفكر».
من استشهادات الجنرال بتريوسبالفيلسوف الروماني سينيك
http://www.assafir.com/Article.aspx?...hannelId=37824
«عمليات مكافحة التمرّد هي حرب تُخاض على مستوى جامعي. إنها حرب رجل يفكر».
من استشهادات الجنرال بتريوسبالفيلسوف الروماني سينيك
http://www.assafir.com/Article.aspx?...hannelId=37824
University of New South Wales عرفت العقيدة العسكرية الأميركية مع الجنرال دافيد بتريوس، تحوّلا جوهريا فرضه تخبّط القوات الأميركية بالعراق وأفغانستان وكثرة الخسائر المادية والبشرية وانسداد الأفق نحو انسحاب مشرّف يحفظ ماء وجه الإمبراطورية. ولم يكن ذلك التحوّل بالهيّن إذ ان العقيدة العسكرية الأميركية ترتكز على جملة من الثوابت قليلا ما حاد عنها جنرالاتها. فثقافة الاستئصال والسحق والإبادة، الوليد الشرعي لسفر تكوينها على أنقاض الهنود وجماجمهم، واعتماد أساليب شيطنة الخصم وحشره داخل «محور شر»، والقناعة بأن الولايات المتحدة «حاملة مشعل الحضارة وصاحبة رسالة»، كل ذلك أسهم في تأصيل تلك الثوابت لتدعّمها حيازة الولايات المتحدة للأسلحة الأكثر دمارا وفتكا، وذلك السبق والتفوّق العلمي والتكنولوجي اللذين حظيت بهما دون باقي الأمم، ممّا عمّق عند استراتيجيي العسكرية الأميركية فكرة «الحرب الخاطفة» و«النظيفة» و«النزهة» و«حرب الصفر خسائر» بحيث أغفلوا التفكير في حرب اليوم الموالي، أو حروب ما بعد الحرب الباردة غير المتوازية، التي لا تنفع معها قوة نيران ولا سيطرة مطلقة على الجوّ والبرّ والبحر، لأنّها ببساطة حروب استنزاف طويلة الأمد تقاتل خلالها «أشباحا»، لا جيوشا نظامية، تعتمد تكتيكات لا علاقة لها بالحروب التقليدية. وقد تنبّه بعض الاستراتيجيين من أمثال دافيد بتريوس وخبير ومستشار الحكومة الأميركية والكندية في مكافحة التمرد، الأسترالي دافيد كيلكولان، الحاصل على شهادة دكتوراه، من جامعة،، والمهتمّ أساسا بانثروبولوجيا الإسلام الأصولي وحركات التمرّد أو المقاومة، لضرورة العمل على سد الثغرة القاتلة بالعقيدة العسكرية الأميركية، خصوصا بعد الفشل المروّع بالعراق وأفغانستان. فكان التحوّل الجذري من عقيدة الصدمة والترويع، Shock and Awe، إلى عقيدة بتريوس، التي عُرفت بالـ COIN ، أو COunterINsurgency Field Manuel، عقيدة مكافحة التمرّد (إقرأ المقاومة). فما سرّ هذه العقيدة، هل هي فعلا وليدة تفتّق قريحة بتريوس وفريق عمله؟ ما هي الأسس التي تنبني عليها وأهمّ مضاعفاتها على العراق وأفغانستان؟
يوم الأربعاء 30 حزيران/يونيو، صدّق مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين الجنرال ديفيد بتريوس كقائد عسكري أميركي جديد في أفغانستان، وقد جاء التأييد دون معارضة وبنسبة 99 صوتا مؤيدا. ليحلّ مكان ستانلي ماكريستال، الذي أُبعد من منصبه بعد تصريح لاذع نعت فيه إدارة أوباما ومعاونيه بـ«مجموعة من الجبناء في البيت الأبيض: The wimps in the White House» خلال لقاء صحفي مع مجلة رولينغ ستون. تصريح عقّب عليه أوباما المهان بقوله: إنّ «السّلوك الذي ظهر في مقال نشر مؤخرا لا يتوافق والمعيار الذي يجب أن يلتزم به جنرال قائد»... من الصعب خسارة الجنرال ماكريستال، أعتقد أنه القرار السليم لأمننا القومي».
فمن هو هذا الجنرال الذي يعتبره أوباما صماما لأمنه القومي ويحظى بنسبة تأييد كهذه؟ هو من أصل هولندي. ولد بتريوس سنة 1952 والتحق بواست بوينت المرموقة، سنة 1974، حصل على شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة برنستون العريقة حول دروس حرب فيتنام، ونال لقب الجندي المثقف، الذي كان وراء فكرة «الصولة Surge» التي مكنته من إضافة عدد جنوده وتحقيق بعض التقدّم بالعراق. خاض أولى حروبه بالعراق على رأس الفرقة المجوقلة 101. أمام التغيرات الجذرية التي لا حظها الجنرال سواء على مستوى الحرب ومسرحها أو تلك التي حدثت مع نهاية الحرب الباردة وتنامي الحروب غير المتوازية و«الإرهاب» المعولم، واستخلاصا لدروس الفشل والتورّط الأميركي بالعراق وأفغانستان، قرّر بتريوس إعادة النظر في العقيدة العسكرية الأميركية مستأنسا حتى لا نقول ناقلا حرفيا لما ورد بكتاب صدر سنة 1964 لصاحبه دافيد غالولا،David Galula، (1919-1968) ومستعينا بالخبير دافيد كيلكولان David Kilcullen. (هل هي صدفة أن يُدعى ثلاثتهم بدافيد؟). لم يتأثّر بتريوس كغيره من صفوة استراتيجيي المؤسسة العسكرية الأميركية لا بكلولسفيتس، ولا بليدل هارت، بل بمفكّر عسكري فرنسي، ظلّ مغمورا حتى 2006 حين صدر مخطوط بتريوس: دليل مكافحة التمرّد، أو ما بات يُعرف بعقيدته.استراتيجي مغمور
ذلك المغمور هو دافيد غالولا، David Galula، (1919-1968): من مواليد مدينة صفاقس التونسية سنة 1919، يهودي الديانة، التحق بالمدرسة العسكرية الفرنسية المرموقة، سن سير،Saint-Cyr، وتخرّج منها سنة 1939، ثم عُزل سنة 1941 بموجب قوانين فيشي، المعادية للسامية. بحكم إلمامه باللغة الصينية انضمّ للبعثة العسكرية الفرنسية وشهد صعود الزعيم ماو للحكم. مكث بالصين 5 سنوات قضاها في دراسة التنظيم العسكري والأيديولوجيا الصينية. ثم عمل بصفة ملاحظ للأمم المتحدة باليونان سنة 1949، أي شهد اندحار التمرّد الذي قام به الشيوعيون. كل هذه المهام وهذا الترحال مكّنه من جمع قاعدة بيانات ومن دراسة ومتابعة حركات التمرّد والمقاومة عن قرب. ذلك ما أهّله لأن يكون على رأس كتيبة المدفعية عدد 45 بالجزائر سنة 1956، وتحديدا بمنطقة جبل ميمون بالقبائل الكبرى، حيث كانت حقلا لتجربة أفكاره في قمع الانتفاضات وإجهاضها وكسر حركة التمرّد. وكان أن لاقى نجاحا وعلا شأنه بالمؤسسة العسكرية الفرنسية التي قلّدته الأوسمة والنياشين، وذلك «لطرقه الخاصة، التي طوّعت أغلبية معادية لتصبح مساندة وداعمة لسياستنا»! كما ورد عن وزارة الدفاع الفرنسية. وبات غالولا يُدعى لعقد الندوات وليحاضر أمام ضباط وعساكر الحلف الأطلسي قبل أن يلتحق بهيئة أركان الجيش الفرنسي. أرسل سنة 1959 إلى الولايات المتحدة، نورفولك بفرجينيا، لمزاولة الدراسة، وهناك تبادل أفكاره وربط شبكة علاقات قوية مع العسكريين ورجال الفكر الاستراتيجي. شغل خطة باحث ومدرّسا بجامعة هارفرد، سنة 1962، ثم التحق بالمركز الأميركي للبحوث والاستراتيجيات العسكرية المعروف راند، RAND، وذلك بدعوة من ستيفن هوسمر. هناك ألّف، بالإنكليزية، مخاض تجاربه في مؤلّفين ظلاّ مغمورين حتى مجئ بتريوس وإعادة الاعتبار لمن وصفه بـ«كلاوسفيتس مكافحة التمرّد» و«صاحب الرؤية الثاقبة التي سمحت بتطوير العقيدة العسكرية والذهنية الأميركيتين». حمل كتابه الأوّل عنوان: «إقرار السلام بالجزائر». أما الثاني والأبرز الذي تبنّاه الجنرال واعتمده كمرجع رئيس خلال صياغة دليل مقاومة التمرّد، لكي لا نقول قام فقط بتحسين ما جاء فيه مضيفا ما لم يكن متوفّرا لغالولا من دعم لوجستي وتقني متقدّم وما توفّره الثورة المعلوماتية من إمكانات، حتى أنّه ألزم كل فريق عمله وضبّاطه بالاطّلاع عليه والنّهل من تعاليمه. كتاب مقاومة التمرّد، النظرية والتطبيق، والذي خُطّ سنة 1964 ولم يُترجم إلى الفرنسية إلاّ سنة 2008 أي سنتين بعد صدور عقيدة بتريوس، على يد دار النشر إيكونوميكا، مع توطئة بإمضاء بتريوس نفسه، ترجمة خلت من قذفه للإسلام وتعدّيه على حرمته ليس حبّا في الإسلام طبعا، بل فقط لاعتبارات، الصوابية السياسية.
أما نظرية غالولا فقد ورثها عن الماريشالين: غالياني (1849-1916)، وليوتي، (1854-1934)، واعتمد فيها على ما ورد بكتاب: الحرب المعاصرة، La Guerre Moderne، لصاحبه الاستراتيجي العسكري الفرنسي روجي ترنكيي، Roger Trinquier، والذي يحدّد فيه 3 مراحل لعملية مكافحة التمرّد، بدءا بالمدن فالقرى فمواقع تمركز القوى المتمرّدة. ليفصّل بعدها ما يجب القيام به: عزل المدن بتسييجها لمراقبة المنافذ والتحكم في الحركة، تقطيع أوصالها إلى أحياء، تعداد السكان وترقيم منازلهم، توزيع بطاقات هوية وتموين، عزل المدنيين عن المتمرّدين، تنظيم حملات دهم واستجوابات جماعية، إنشاء خلايا وشاية وتخابر، تجريم كل عمل نضالي ونسب كل حادث لـ«المجرمين» و«الشرذمة الضالة» (إقرأ المقاومين)، تصفية رؤوس الحركة، وأخيرا عند الانتهاء من ضمان السيطرة المطلقة على المدينة يتمّ الانتقال للقرى وهكذا.
كل هذه النقاط اعتمدها غالولا ليضيف عليها تركيزه على طبيعة نقاط ضعف وقوة حركة التمرّد ومقارنتها وإمكانات الخصم، ليخلُص إلى 4 قوانين لمكافحة حركة التمرّد: بدءا بالغاية التي يجب أن تكون دائما كسب عقول الأهالي وقلوبهم لتحييدهم وضمان تعاونهم، دعم الأهالي يجب أن يكون منظّما، القضاء على حركة التمرّد يجب أن يعتبر النصر الحقيقي، إذ ليس النصر عسكريا بل سياسي. وأخيرا ضرورة أن يتمّ صرف جهود العمليات بالتّدرّج: المنطقة تلو الأخرى. وذلك لقناعته أن عناصر نجاح حركات التمرّد هي: القضية ذاتها ومدى استقطابها للمناصرين، وجود حكومة محلّية فاشلة، حالة أزمة تذكّي جذوة التمرّد أو العصيان، العمق الاستراتيجي والدعم الخارجي، والخصائص الجغرافية والموارد البشرية والنظام الاقتصادي.
تدمير المتمردين
أما كيف تتمّ عملية استئصال حركة التمرّد فدليله، الذي تبنّاه بتريوس بحذافيره ولم يفعل سوى تحيينه وتطويعه لواقع العراق وأفغانستان وتوظيف إمكانات الولايات المتحدة الهائلة، ينصح غالولا بالتالي: تدمير المتمرّدين أو شرذمتهم، نشر قوات ثابتة وأخرى متنقلة بالقدر الكافي لتأمين منطقة «خضراء» «مُحرّرة» للحيلولة دون عودة فلول التمرّد، إنشاء حلقات تواصل مع الأهالي مع مراقبة حركتهم وضبطها، إعطاء الانطباع بأن القوات الغازية هي ضامن الأمن الوحيد لكسب عقول الناس وقلوبهم، اجتثاث التنظيم السرّي للمتمرّدين باستثمار المادة التي يوفّرها العملاء على أن تكون الضربة خاطفة حتى لا تؤلّب من «أُلّفت» قلوبهم، تنظيم انتخابات «حرّة» لتعيين حكومة محلّية مؤقتة، إشراك العنصر النسائي و«تحريره من سلطة الرجل»، اختبار مدى أهلية (إقرأ عمالة) القيادة المحلّية بمنحها بعض المهام، فرز العناصر وتحييد عديمي الكفاءة والفاسدين والمحافظة على سلامة من أثبتوا ولاءهم دون السقوط في الوصاية، ضم القادة الذين تمّت تزكيتهم لحركة أو تنظيم أو حزب مع التحذير من السّقوط في هذا الامتحان لأنّ حركة التمرّد تتربّص، ضم أو استئصال فلول التمرّد خلال الاشتباك الأخير للقضاء على النواة الصلبة بمشاركة الأهالي أنفسهم وقوات محلية تمّ تدريبها للغرض، سواء بقوّة السلاح أو من خلال مفاوضات «سلام شجعان» (والتعبير لغالولا وليس لكاتب هذه السطور)، وأخيرا إنجاح إعادة الإعمار لتأليف قلوب أكثر عدد ممكن من الأهالي وتنفيرهم في الفعل المقاوم.
استراتيجية الأفعى
ماذا عن إضافة بتريوس؟ إذا كنّا سنسلّم بأنّه أضاف فعلا، يعرّف بتريوس عقيدته بأنّها استراتيجيا أفعى «الأناكوندا Anaconda» التي تعمل على خنق حركة التمرّد وذلك باعتماد مقاربة شاملة تجفّف مصادرها وتقطع خطوط دعمها اللوجستي وتصفّي قادتها وتعزل العناصر المتشدّدة من المتمرّدين عمّن يمكن تأليف قلوبهم واستيعابهم. موضحا: «أن الأفكار الكبرى» حول العيش بين السكان وكسب قلوبهم وعقولهم فرضت نفسها وأدت إلى اعتماد مناهج تدريب جديدة». تحت اسم: دليل مكافحة التمرّد، صدرت هذه الوثيقة بتاريخ 15 ديسمبر 2006، ووردت في 220 صفحة و8 فصول تناول فيها بالتحليل التوصيات الواجب اتباعها ونماذج الاشتباكات والخطوط العريضة لقيادة العمليات والتطبيقات العاجلة لإنجاحها. وكان قد جمع لها «فريقا من المتمرّدين على التقاليد، يشمل مجموعة من الضبّاط المستعدّين للتفكير خارج الإطار التقليدي» كما يشير ديفيد اغناتيوس. وتحتوي استراتيجيته على 3 عناصر: هجومية ودفاعية وأخرى تثبيتية، تتوقّف ثلاثتها على مدى كسب ودّ الأهالي ومشاركتهم، حتى أنّه أوصى بوضع ملصق لضبّاطه كُتب عليه: «ماذا فعلت اليوم لكسب قلوب العراقيين؟ ثم على الواقع والساحة والإمكانات والمهمة.
يؤكّد بتريوس على مسألة الشرعية كهدف أساسي، لأن وجود حكومة محلّية ستسفّه ما تعلنه حركة التمرّد، وعلى تظافر الجهود والتجديف بتوحيد الخطاب وإن اختلفت الأهداف، تغليب العملية السياسية على العمليات العسكرية التي يجب أن تراعي المضاعفات، تفهّم وتأقلم القوات المكافحة للتمرّد مع مسرح الأحداث، لأن معرفة طبيعة المجتمع وثقافته وأدق تفاصيل تركيبته الإثنية والدينية والأيديولوجية عوامل حاسمة ومهمة، جمع المعلومات الميدانية وكل شاردة وواردة تتعلّق بحركة التمرّد، بدون عملاء تظل العمليات مضيعة للوقت ومصدر نتائج معاكسة، العمل على عزل المتمرّدين عن مجتمعهم وتسفيه قضيتهم وقطع مصادر دعمهم، لا تقتيلهم وجعلهم أبطالا، المسألة الأمنية كحجر الزاوية لتأليف قلوب الأهالي وتجريم المتمرّدين، التعجيل بتكليف قوات محلية من الشرطة وغيرها لتتولى بنفسها تلك المهام وكسر الحاجز النفسي، إعداد القوات وتحضيرها نفسيا لتقبّل استراتيجيا نفس طويل وقادرة على التدمير والإعمار في الوقت ذاته، استثمار المعلومات وسبرها وخلق تطلّعات معقولة، لأن الشعوب بتقديره «مصابة بعقدة الصعود إلى القمر»، لذلك تطالب الأميركيين بصنع المستحيل وفي أسرع وقت ! «ليحذّر بعدها من مغبّة السقوط في امتحان الوعود غير المحققة الذي سيدفع الأهالي إلى حضن المقاومة من جديد، استعمال «معقول» للقوة بتحقيق المعادلة الصعبة بين حفظ أمن القوات والتخفيف من عدد قتلى الأهالي موصياً بضرورة تكليف القوات المحلية بالمهام القذرة، تشريك المرأة من خلال مشاريع مثل تلك التي تحدّثت عنها الكاتبة المناضلة هيفاء زنكة، «المصالحة» و«تمكين المرأة» وورشات «الديموقراطية»، القدرة على التأقلم والتكيّف مع المحيط. وبتريوس أبرع من يفعل ذلك وهو من شهد له، ديفيد اغناتيوس، أنّه «حوَّل زيارة روتينية لقرية باراكي باراك بأفغانستان إلى درس عملي في مكافحة التمرّد، كان يشرب كوباً بعد كوب من الشاي من أكواب متّسخة، ويأكل أرغفة خبز محلّي، معايشاً المكان بكل ما فيه، لإعطاء السكّان المحلّيين شعورا شخصيا بجدية بالمهمة الأميركية»، وأخيرا تقديم الدعم للحكومة المحلية وخلق الانطباع بأن الولايات المتحدة لن تتخلّى عنها.
طبعا الترجمة العملية لكلّ هذه البروتوكولات كانت كارثية على العراق المتحلّل لا المحرّر، والذي يكاد يُمسح من الخارطة وتضرّر على كل الأصعدة ولم تسلم حتى الجينات من نفايات اليورانيوم والفوسفور، وعاثت فيه قوات الجنرال التي تلقّى بعضها تدريبهم تحت إشراف جنرالات الكيان الصهيوني الذين وفّروا تجسيدات لمدن عربية بقباب ومآذن، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن بغداد وما يسمّى بالمنطقة الخضراء وتلك الأسوار تحاكي أسلوب ما يجري بفلسطين المحتلّة. وهذا حصر لبعض المضاعفات:
طبعا الترجمة العملية لكلّ هذه البروتوكولات كانت كارثية على العراق المتحلّل لا المحرّر، والذي يكاد يُمسح من الخارطة وتضرّر على كل الأصعدة ولم تسلم حتى الجينات من نفايات اليورانيوم والفوسفور، وعاثت فيه قوات الجنرال التي تلقّى بعضها تدريبهم تحت إشراف جنرالات الكيان الصهيوني الذين وفّروا تجسيدات لمدن عربية بقباب ومآذن، ولسنا نبالغ إذا قلنا إن بغداد وما يسمّى بالمنطقة الخضراء وتلك الأسوار تحاكي أسلوب ما يجري بفلسطين المحتلّة. وهذا حصر لبعض المضاعفات:
÷ توظيف حالة الفوضى والفتنة المذهبية للظهور بوجه المخلّص، والمحرّر وواهب الحضارة والديموقراطية والمثل السامية، استخدام ورقة الشحن المذهبي والأيديولوجي والتفريط في الذاكرة الوطنية وتدمير التراث والمواقع الأثرية، لتفتيت البنية الاجتماعية والعودة بها إلى ما قبل القبيلة، إنشاء ما سمّي بـ«الصحوات» لضرب تنظيم القاعدة، شراء الذمم وتوزيع الأموال الطائلة على العشائر، عزل الأهالي عن المتمرّدين بكل السبل الوحشية ومراقبة حركتهم وزرع العملاء بينهم لمتابعة المتعاطفين والمناصرين والعناصر المساهمة في الفعل المقاوم، إقامة الجدران الكونكريتية العازلة بين أحياء بغداد العاصمة حولها إلى سجن ضخم، إنشاء معسكرات وسجون ومخيمات الاعتقال وتطويقها بالكـتل الخرسانــية العالية، تحويل العاصمة إلى كانتونات طائفــية معزولة لإذكاء الشحن الطائفي، الحديث عن إقامة «سور بغداد أكبر أسوار العراق المحتل»، رغم إنكار حكومة العمالة، والذي سوف يمتد إلى مسافة 120 كيلومترا. مع مداخل أربعة مصمّمة بطريقة قد تجعل منها لاحقا «بوابات إلكترونية»، قد تستخدم معها بطاقـات ممغنطة، تحوي كل المعلومات اللازمة والضرورية لمستخدمي المعابر، على شاكلة المعابر أو الحواجز «الأمنية» في الضــفة الغربية من فلسطين المحتلة، تخريب الطابع العمراني وطمس جمالية المكان لتصبح المدن عبارة عن متاهات من الجدران، وذلك من أجل كسر الإرادة وتطويع الأشاوس والماجدات، تكريس التطهير المذهبي لفرض توازنات ديموغرافية تستخدم في المساومات حين تدق ساعة الرحيل عن البلاد، تجيير الوضع الميداني لفرضه كأمر واقع وتكريس أن المحتل هو ضامن الأمن الوحيد.
تجربة العراق أسوأ من فيتنام
لن تشفع للجنرال بتريوس «عقيدته»، عقيدة غالولا بالأحرى، ولا ما سمّوه بهتانا «نجاح تجربة العراق»، و توماس ريكس، صاحب كتاب المقامرة: الجنرال بتريوس والمغامرة العسكرية الأميركية في العراق: 2006-2008، The Gamble: General David Petraeus and the American Military Adventure in Iraq, 2006-2008:، هو الآخر يخلُص إلى «أن تجربة العراق أسوأ من فيتنام لسببين: أولا، فيتنام كانت على هامش المصــالح الأميركية، في حين أن العراق يقع في قـلب منطقة مهمة جدا بالنسبة للاقتصاد العالمي. وثانيا، لأن الحرب في العراق لم تنته بعد، بل على العكس سوف تستمر لفترة طويلة». كذلك أفغــانستان لن تكون العراق، لخصوصيات معطيات الواقع العراقي، التاريخي والطوبوغرافي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والجيوبولتيكي... فلا الجغرافيا متشابهة ولا التركيبة السكانية ولا المذهبية متقاربة، ولا انعدام العمق الاستراتيجــي والتـواطؤ والعمالة والتضييق والحصار والتعـتيم وكل ذلك الذي عانته ولا تزال حركة المقــاومة المجيدة بالعراق، والذي تمعّش منه الجنرال وعلوجه. ثم ان بتريوس «الراضخ الخانع الراكع» وكل تلك المواصفات التـي عرّاها الباحث والمحلّل القدير صبحي حديدي في مقال بالقدس العربي، بتاريخ تاريـخ: 7 يوليو 2010، الطامع ببطاقة ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، والتائب عن تصريحات أوردها رسمياً بخط يده وممهورة باسمه، وأمام الكونغرس من فضلكم، جاء فيها: «إن محاباة الولايـات المتحدة لإســرائيل تقوّض المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وتزيد من المشاعر المعادية للولايات المتحدة.. وإن الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية وانحياز واشنطن إلى جانب إسرائيل يحدّ من قوة وعمق الشراكات الأميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة»، لينتهي بعدها ـ كما يفيد الأستاذ حديدي ـ ذليلا متملّقا اللوبي الصهيوني متوسّلا ماكس بوت، Max Boot،: «أنت تعلم بأنني لم أنطق بهذا الكلام شخصياً، بل هو مدوّن في شهادة توثيقية فحسب... وهل يفيد التذكير بأنني استضفت إيلي فيزل وزوجته في مقرّ أركاننا الأحد الماضي؟ أو أنني سأكون الخطيب الرئيسي في الذكرى الـ 65 لتحرير معسكرات الاعتقال النازية؟»! جنرال بصفات كهذه وإن نعتوه «بالجندي المثقّف» و«البطل الأميركي الكبير» و«ألمع رجال أميركا بالعراق وأفغانستان»، سينتهي كغيره من جنرالات الولايات المتحدة الذين كلّما احتلّوا بلدا نهبوه ليرحلوا تاركين وراءهم جيشا جرّارا من العملاء وحرّاس السّجون السّاديين ومدمني المخدرات و«قوادي» المواخير!!! لنذكّر فقط بآخر إنجاز بهذا العراق «المُحرّر»، وارد على لسان وزيرة «حقوق الإنسان» بحكومة العمالة العراقية التي كشفت لصحيفة الصباح أن 12 ألف حكم بالإعدام قد صدر في العراق خلال السنوات الخمس الماضية»! إعدامات طالت نخبة المجتمع وأهم رموزه.. العراق سينهض بمقاومته ووحدته الوطنية، وبتريوس كغيره من الغزاة سيُعفّر أنفه بالتّراب الأفغاني ثم يعود مذموما مدحورا ليُوارى كغيره في مزبلة التاريخ!
الإمبراطورية تترنّح أو هي على شفير الهاوية على ألاّ نركن قاعدين بانتظار ملائكة الرحمن لتقاتل بدلا عنّا، ثم هل في هذه الأمة أمثال من شهدوا موقعة بدر، لتفعل؟
0 comments:
إرسال تعليق
جميع الردود تعبّر عن رأي كاتبيها فقط. حريّة النقد والرد متاحة لجميع الزوار بشرط أن لا يكون الرد خارج نطاق الموضوع وأن يكون خال من الكلمات البذيئة. تذكّر قول الله عز وجل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد).